الثلاثاء، 17 نوفمبر 2009

الغبش-غرب بربر) و (مجاذيب الدامر) وآثارهم المخطوطة

نار القرآن عند (الغبش-غرب بربر) و (مجاذيب الدامر) وآثارهم المخطوطة تكتسب الدراسة اهميتها من اهمية الموضوع ؛ فالوثائق الخاصة التى بحوزة الأفراد والمؤسسات الأهلية تمثل جزء مهم من ذاكرة الوطن القومية ، كما تعتبر مصادر فريدة ونادرة يتعذر الوصول اليها ناهيك عن الحصول عليها، وهى نتاج نشاطات طوائف وجماعات و كيانات اجتماعبة كان لها دورها البارز وأثرها البالغ فى الحياة الاجتماعية والسياسية و الاقتصادية فى تاريخ السودان القريب والبعيد، الأمر الذى يجعل توثيقها وإتاحتها للبحث العلمي خطوة مهمة فى طريق إعادة قراءة التاريخ القومي. فقد درج الأهالي على إيداع كثير من أشيائهم الثمينة والمهمة خزانة المسيد (المدرسة القرآنية) ، ثقة منهم فى هذه الأماكن الطاهرة ، التى تضمخت بأريج القرآن (الطيب، 1991م :23) ، ومن تلك الأشياء الثمينة ؛ ماهو ناتج النشاط البشرى خلال الحياة اليومية كتصرفات الأحوال الشخصية ، وما ينتج عنها من وثائق ، مثل تمليك الاراضى والهبة والميراث والمهر والبيع والشراء ووثائق النسب ، هذا بالإضافة للوثائق الديوانية الواردة من السلطة الزمنية فى ذلك الاوان . ومنها ما هو ناتج النشاط الفكرى مثل المخطوطات التى تشتمل مختلف فروع علوم الدين الإسلامى كالفقة والعقائد والسيرة . وعلوم العربية ، بالإضافة إلى كتابة المصاحف وما يتبعها من زخارف. ومن أوائل الأماكن التي أوقدت فيها نار القرآن ، مسيد المجاذيب بالدامر ، الذين كانت لهم مكتبة شهيرة فقدت مع من فقد من البشر جراء الحروب. فقد تواترت أقوال المؤرخين على اهمية و حيوية النهضة الثقافية التى ازدهرت فى هذه المنطقة ؛ يذكر المؤرخ السويسرى بوركهارت الذى اقام بمدينة الدامر... "لم تكن المكانة التى احتلتها الدامر و جزبت إليها الانظار فحسب بل لأنها صارت كعبة يؤمها الطلاب من كل مكان..و قد حوت مكتباتها مؤلفات من القاهرة و الحجاز... " (بوركهارت ، 1959م). اما هولت فيقول "... كان أشهر مركز لتدريس الدين مدينة الدامر حيث اسست اسرة المجاذيب ما يمكن أن يسمى جامعة إسلامية, كان طلابها على اتصال دائم بمراكز العلم الشهيرة فى القاهرة و الحجاز" (ب.م.هولت ، 1986م) ومن الغرائب والطراف أن توجد مخطوطة من ثلاثة أجزاء للشيخ مجذوب بن الطاهر المجذوب بدار الوثائق الفرنسية و لا يعرف كيف شق هذا المخطوط طريقه إلى هناك. كما بلغت مدرسة الغبش غربى بربر درجة مماثلة من الشهرة والمكانة ، حيث بلغ عدد طلابها فى مرحلة من المراحل ألف طالب من داخل وخارج البلاد. وتمتاز مدرسة الغبش عن غيرها من المدارس الدينية بالسودان برسوخ قدمها وتخصصها في معرفة علوم القرآن ، فأكثر ما عرف من الآثار الخطية فى هذا العلم يكاد أن يكون حكرا على علماء هذه المدرسة العريقة، ونذكر منهم على سبيل المثال :الشيخ عبد الرحمن الأغبش وهو أغزرهم تصنيفا ، ومن مؤلفاته (شرح مورد الظمآن المسمى عمدة البيان فى رسم القرآن) و(مصباح الدجى فى ضبط الهجاء) للخرازى و(نظم الهداية) و(تحفة المدات) وغيرها ، ومنهم الدنفاسى وهو من أعلام علم القراءات الذين تتلمذوا على يد الشيخ عبد الرحمن الاغبش وله المنظومة الشهيره فى التجويد الموسومة بـ (المرسوم و المعدود من القرآن من فن التجويد و احكام الهمزات) و منهم حمد ود مدلول و له (سلم المريد) وغيرهم . وقد حازت مدرستي الغبش و المجاذيب قصب السبق فى ايقاد نار القرآن فى السودان و اسهمتا فى وضع اللبنات الأولى فى تكوين الشخصية السودانية، أورد تريمنجهام فى مقدمة كتابه الإسلام فى السودان " هناك عامل داخلى كبير اصبح يشكل حياة السودانى الشمالى ، إنه التاثيرالمتواصل لتلك الرقعة الكبيرة التى تقع شرقى البحر الاحمر، لقد ارسلت الجزيرة العربية شعبها و لغتهم و دينهم .. و فوق ذلك النظام الثقافى (الإسلام) الذي له عظيم الأثرعلى سيكولوجية الشعب و مهد دينهم وأفكارهم الاجتماعية فى وحدة تثير تعجبا وإعجابا" ( تريمنجهام، 2001م: 10) وعلى الرغم من ما مر سابقا من مصادر مهمة تشير إلى تأثير هاتين المدرستين المباشر وغير المباشر على مسرح الحياة فى السودان إلا إن الاهتمام بمصادر دراسات هذه المدارس لا يتناسب و ما قامت به من دور رائد .

ليست هناك تعليقات: